معتقل الصمت...انطلقت صرخة حملت معها الف معنى من معاني الالم. عينان حائرتان بين مرارة الواقع و لذة الاحلام. بين وهم الحقيقة و واقعية الوهام...انطلقت صرخة غضب لطالما حبست بين جدران الاهمال. صرخة انسابت معها دموع روت عطش فتاة صغيرة الى حنان رمي به الى غياهب النسيان...قلم خط بضع كلمات تشع براءة طمسها الياس و الحرمان : "اشتقت اليك يا ابتاه"...قلم خط تلك الكلمات ثم جف كما جفت ينابيع الفرحة من قلبها الغض...اوراق مزقت و القي بها في سلة المهملات كما هو حال قاموس السعادة في روحها النقية الذي انتهى به الحال في ركن يعلوه الغبار بين كواليس مسرح الحياة...
لطالما على صوت ضحكاتها في ايام مضت...ضحكاتها التي لم تتخيل يوما انها سترحل و تتركها تتخبط بين امواج الضياع المتلاطمة. لتصطدم بصخور الواقع ثم تعود لتكمل مسيرة البحث عمن تكون...البحث عن صفحات حياتها التي تطايرت و رياح العدم. لتستقر داخل الفراغ...صوت ضحكاتها الذي اصبح صداه يتردد داخل مسامعها كلما ترامى الى ذهنها ذلك الطيف الذي تركها دون ادنى كلمة وداع..."كل وداع يحتاج الى تحضير. لكن في اغلب الاحيان تفاجئنا الحياة"...كلمات اخرى خطت لتنتهي بها الاقدار الى مكان ما في سلة المهملات وسط عشرات الصور الملئى بالخدوش اثر لحظات غضب لروح تحتضر. و الرسائل التي افضى اليها قلب جريح بالالام التي تعتصره...الرسائل التي لم تجد طريقا الى العالم الاخر فرجعت لتلقي بمكنونها الى تابوت مظلم...
كانت تذرف نهر دموع مع كل كلمة كتبتها و كل صرخة اطلقتها...نهر دموع ينساب ليمحو تلك الكلمات. و يمحو معها الالم الذي اجتاحها...و يسكن رياح الياس التي عصفت بها...و بينما هي في غمرة الانتقال بين عالمين. غمرة الشرود في دنيا الاموات لعلها تجد ذاك الذي اخذ منها. اذ بنسمة هبت عليها .اطفات كل نيران الشوق و الحنين.فاغمضت عينيها و على محياها ابتسامة رضى و اطمئان...و لم يسمع من انفاسها الضعيفة الا كلمات اربع...خرجت متقطعة مقترنة بهذيان الاحتضار...كلمات قالتها بكل اقتناع و عزم...كلمات امنت بمعناها و ترجت تحققها...كلمات لخصت كل امالها : "اراك في الجنة ابي"...